اخر الاخبار

بدأ برسائل بريدية في القرن الـ19.. ماذا تعرف عن تاريخ “التعلم عن بعد”؟

دفعت أزمة اجتياح وباء كورونا لثورة شاملة في مفاهيم التعليم وآلياته بعد أن فرضت عزلة وتباعدًا اجتماعيا طال كافة الأنشطة بما فيها مؤسسات التعليم النظامية والحرة، وبالتالي سنرى تحول “التعليم عن بعد” من رفاهية لضرورةٍ ملِّحة، وواقع يتكيف معه الملايين من الطلاب والمعلمين ومديري الأنظمة التعليمية، على حدٍ سواء.

لعل كثيرٌ منا لم يسمع بأول صيحة للتعلم عن بعد والتي بدأت إرهاصاتها في جامعات أمريكا وبريطانيا؛ حينما كانت المناهج ترسل مطبوعة للطلاب بريديا، ثم تطور الأمر مع ظهور التليفزيون والراديو والأقمار الصناعية والمحطات الفضائية والتي اتاحت قدرا اوسع من المحاضرات المباشرة والمسجلة.

ثم تأتي مرحلة انتشار الحواسيب والأجهزة الإليكترونية التي حولت المحاضرات المرئية والصوتية لنمط شائع، وصولًا للمرحلة الرابعة المعتمدة على انظمة إنترنت أحدث تسهل الوصول لقواعد البيانات والمكتبات الإليكترونية والتفاعل الأكبر من قبل المتعلمين والذين لم يعودوا مجرد متلقين، وأصبح ذلك يتم بطريقة متزامنة مع وقت المحاضرة من خلال غرف المحادثة ومؤتمرات الفيديو، أو غير متزامنة (مسجلة) عبر البريد الإليكتروني ومنتديات الحوار.

البداية

من ألمانيا انطلقت البدايات الأولى للتعلم عن بُعد عام 1856م، حيث فكر الفرنسي شارل توسان الذي كان يعلم اللغة الفرنسية في برلين، وجوستاف لانجنشدات، أحد أعضاء جمعية اللغات الحديثة في برلين، في تأسيس مدرسة لتعليم اللغات بالمراسلة.

وبحسب سيمنسون وبيرج في مقال منشور عبر “أرشيف الإنترنت واي باك” ظهر التعلم عن بعد في القرن التاسع عشر فيما عرف التعليم بالمراسلة، حيث كان الهدف منه ربحيا إذ تقوم المؤسسات التعليمية بتصميم المحتويات التعليمية اللازمة للأساليب غير التقليدية للتعلم تلبية لرغبة التعلم لدى فئات من المجتمع لا تتمكن من الانتظام في الفصول الدراسية التي يتطلبها التعليم التقليدي.. وقد انتشر التعليم بالمراسلة عام 1873م بمساعدة من الكنائس المسيحية من أجل نشر التعليم بين الأمريكين. وفي عام 1883 م قامت كلية شيكاجو في نيويورك بإعداد درجات علمية عن طريق التعليم بالمراسلة.

وفي عام 1892م تأسست في جامعة شيكاغو أول إدارة مستقلة للتعليم بالمراسلة وبذلك صارت الجامعة الأولى على مستوى العالم التي تعتمد التعليم عن بعد، ولقد أتاح التعليم عن بعد الفرص للطلاب الكبار كما أنه أعطى للطلاب الإحساس بالمسؤولية تجاه تعلمهم، فقد كان الطلاب يرسلون واجباتهم والوظائف بالبريد ثم يصححها المعلمون ويعيدون إرسالها بالدرجات إلى الطلاب وكان التحكم بنظام الفحص يتم عن بعد.

بعض المربين لم يقبل أسلوب وطريقة التعلم عن بعد واعتبروا الدراسة بالمرسلة أدنى طرق التدريس وكذلك كان ينظر للشهادات الممنوحة بهذه الطريقة على أنها ذات قيمة متدنية (وهي أزمة لا تزال قائمة).

المراسلة

الحاجة أم الاختراع كما يقال؛ ويخبرنا كتاب “التعليم الفعال بالتكنولوجيا” تأليف و.باتس وجيري بول، ان التعلم عن بعد موجود منذ زمن طويل..

يمكن اعتبار رسائل القديس بول الإنجيلية إلى الكورنثيين والرومان في القرن الأول الميلادي شكلا من أشكال التربية عن بعد

ثم كانت المحاولة الأشهر عام 1840 حين أقدم إسحاق بيتمان باستخدام نظام البني بوست penny post لتعليم الاختزال الصوتي الذي ابتكره، والتعليم بالمراسلة تطور تدريجيا حتى أصبح ما يسمى في أمريكا الشمالية بالدراسة المستقلة الموجهة.

كانت أول مدرسة مراسلة في الولايات المتحدة هي جمعية تشجيع الدراسات في المنزل، التي تأسست في عام 1873، ثم تأسست في عام 1894 “أكسفورد” وهي أول كلية للتعلم عن بعد في المملكة المتحدة.

كانت جامعة لندن التي أسسها توماس شيبرد أول جامعة تقدم شهادات التعلم عن بعد، وأنشأت برنامجها الخارجي في عام 1858 وقد ازداد التسجيل باطراد خلال أواخر القرن التاسع عشر، وتم نسخ مثاله على نطاق واسع في أماكن أخرى.

.ثم شجع ويليام ريني هاربر على تطوير دورات جامعية خارجية في جامعة شيكاغو الجديدة في تسعينيات القرن التاسع عشر. وفي الولايات المتحدة، وتطايرت الفكرة لجامعات عدة، أو الدراسة بالمراسلة، خاصة وأن ثلث سكان أمريكا فقط وقتها هم القاطنون في المدن والباقي يعتمد على المراسلة، كما قامت الشركات الكبيرة بتنظيم برامجها التدريبية للموظفين الجدد والتي وصلت إلى 146 شركة في عام 1920.

عقد المؤتمر الدولي للتعليم بالمراسلة اجتماعه الأول في عام 1938، وتأسس المجلس الدولي للتعليم المفتوح وعن بعد، ومقره في أوسلو عاصمة النرويج، كما بدأت جامعة جنوب أفريقيا في تقديم التعليم عن بعد في عام 1946..

وقد تأسست الجامعة المفتوحة في المملكة المتحدة من قبل الحكومة العمالية آنذاك بقيادة رئيس الوزراء هارولد ويلسون، وبدأ التخطيط في عام 1965 تحت قيادة وزيرة الدولة للتعليم، جيني لي، لتدشين نموذجاً للجامعة المفتوحة (OU) كنموذج لتوسيع نطاق الوصول إلى أعلى معايير المنح الدراسية في التعليم العالي؛ وفي عام 1970 انتقل التعليم إلى جامعة أثابسكا في كندا، وتطور الأمر لمؤسسات مماثلة حول العالم.

الإذاعة والتليفزيون

منذ ابتكر المخترع الأمريكي توماس ايدسون الفونوغراف في عام 1877 بدأت طفرة كبيرة حيث أتاح هذا الجهاز مختبرات اللغات الأولى

thomas Edson

(المرافق المجهزة بأجهزة سمعية أو سمعية بصرية لاستخدامها في تعلم اللغة). بعد الحرب العالمية الأولى، أصبحت المحطات الإذاعية المملوكة للجامعات شائعة في الولايات المتحدة، حيث بثت أكثر من 200 محطة من هذا القبيل برامج تعليمية مسجلة بحلول عام 1936.

وكانت إديسون أيضا من أول من أنتج أفلاما للفصل الدراسي.

جربت العديد من الكليات والجامعات إنتاج الأفلام التعليمية قبل الحرب العالمية الأولى، واستخدمت أفلام التدريب على نطاق واسع خلال الحرب لتثقيف مجموعة متنوعة من الجنود والأميين في كثير من الأحيان في مجموعة من المواضيع من تقنية القتال إلى النظافة الشخصية. وقد استخدمت التحسينات في صناعة الأفلام، قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية لأغراض التدريب التقني والدعاية.

في حين أن الإنتاج الدعائي الأكثر شهرة من الناحية الفنية قد يكون انتصار الإرادة (1935) ، وقد قدمه ليني ريفنستال خلال 1930 للحكومة النازية الألمانية، وأنتجت أفلام مماثلة من قبل جميع المتحاربين الرئيسيين.

في الولايات المتحدة كلف الجيش المخرج السينمائي في هوليوود فرانك كابرا بإنتاج سبعة أفلام نالت استحساناً واسعاً بعنوان “لماذا نقاتل” (1942-1945)، من أجل تثقيف الجنود الأميركيين .

لقد أدى الانتشار السريع للسينما في العشرينات والإذاعة في ثلاثينيات القرن العشرين إلى مقترحات لاستخدامهما في التعليم عن بعد. وبحلول عام 1938، بث ما لا يقل عن 200 نظام مدرسي برامج تعليمية للمدارس العامة.

بدأت التجربة من ولاية كنتاكي في عام 1948 برعاية جون تايلور، رئيس جامعة لويزفيل، وتعاون مع ان بي سي لاستخدام الراديو كوسيلة للتعليم عن بعد ، وأيد رئيس لجنة الاتصالات الاتحادية المشروع؛ كانت الجامعة مملوكة للمدينة، وكان السكان المحليون يدفعون تكاليف التعليم المنخفضة، ويتلقون مواد الدراسة الخاصة بهم في البريد، ويستمعون عبر الراديو إلى مناقشات الفصول الدراسية الحية التي عقدت في الحرم الجامعي.

وفي عام 1963م أنشأت بريطانيا جامعة الهواء ، ثم سميت بالجامعة المفتوحة فيما بعد حيث كانت الإذاعة والتلفزيون هما العناصر الأساسية في عملية التعليم إضافة إلى المراسلات وهكذا تم الإعلان عن هذا النوع من التعليم وتم افتتاح الجامعة في عام 1969م ، ثم بدأت الدراسة عام 1971م فاستقبلت الآف الطلاب في مختلف المجالات، ولقد تلقى المجلس القومى للتعليم عن بعد بالمراسلة دعماً مادياً قوياً من البنك الدولى للتنمية الدولية واليونسكو فى عام 1982م فتحول إلى المجلس الدولى للتعليم عن بعد.

وقد روج تشارلز ويدماير من جامعة ويسكونسن ماديسون لأساليب جديدة، وما بين عام 1964 إلى عام 1968، مولت مؤسسة كارنيغي مشروع ويدماير الإعلامي التعليمي (AIM) الذي جلب مجموعة متنوعة من تقنيات الاتصالات التي تهدف إلى توفير التعلم لسكان خارج الحرم الجامعي.

ثم تلاشت الدورات الإذاعية في الخمسينات حين بدأت الجهود لاستخدام التلفزيون على نفس المنوال، لكن التجربة أثبتت فشلها على الرغم من التمويل الثقيل من قبل مؤسسة فورد.

وفي الفترة من عام 1970 إلى عام 1972، مولت اللجنة التنسيقية للتعليم العالي في كاليفورنيا أنشطة التوعية بالمشاريع لدراسة إمكانات التعلم عن بعد، وتطور الأمر وظهرت خدمة تعليم الكبار في خدمة الإذاعة العامة الأمريكية إلى حيز الوجود.

شبكة الإنترنت

منذ ظهورها استطاعت شبكة الإنترنت أن تحدث طفرة كبرى في التعليم عن بعد، وتطرح المدارس والجامعات الافتراضية مناهج دراسية كاملة عبر الإنترنت. وقد مكن الإنترنت من دعم أساليب التدريس الصوتية والفيديو والنصية والغمر.

تم تقديم أول دورة تدريبية عبر الإنترنت بالكامل من قبل جامعة تورنتو في عام 1984وتأسست أول جامعة جديدة وكاملة على الانترنت في عام 1994 وهي جامعة كاتالونيا المفتوحة، ومقرها في برشلونة، إسبانيا.

في عام 1999 تم إطلاق جامعة جونز الدولية كأول جامعة على الإنترنت بالكامل معتمدة من قبل جمعية اعتماد إقليمية في الولايات المتحدة.

وفي عام 1999 كانت التربويات التلفازية حيث يتم تقديم الدورات عن طريق التلفاز فيما عرف ب”tele courses” من أنجح الوسائل التي استخدمتها الجامعات البريطانية المفتوحة وخاصة تلك التي تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية تحت اسم The United States Open University. ولقد حقق التعليم عن بعد فعالية أكثر باعتماد أشرطة الفيديو كعامل مساعد مع الكتب المدرية ودليل الدراسة.

وفي الفترة بين عامي 2000 و 2008، ازداد الالتحاق بدورات التعليم عن بعد بسرعة في كل بلد تقريبا في البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية على السواء.

العديد من المؤسسات الخاصة والعامة وغير الربحية والهادفة للربح في جميع أنحاء العالم تقدم الآن دورات تعليمية عن بعد من أبسط التعليمات إلى أعلى مستويات الدرجات وبرامج الدكتوراه، وهناك دول تخصص جهات معتمدة للرقابة على التعلم عن بعد ومدى جديته.

ويمكن الآن باستخدام الأقمار الصناعيَّة الاتصال هاتفيا وتوصيل البث الإذاعي، صوتاً وصورةً، إلى مواقع أو بيئات نائية دون شبكات بنية أساسيَّة أرضية مكلفة.

تأثرت الدول العربية بهذه الاتجاهات الجديدة في التعليم، وينقل د. جميل إطميزي في كتابه “أنظمة التعلم الإليكتروني وادواته” أنه قد يكون المسلمون أول من عرف شكلا من التعلم عن بعد، فنظام الكتاتيب، وحلقات المساجد في طول البلاد وعرضها، كانت تقدم تعليما بحيث لا يرتبط الطالب مع الطلبة الآخرين إلا في مكان الدرس، وهو من يختار المعلم والمواد التي يدرسها.

وبحسب رمزي عبدالحي في كتابه “التعليم عن بعد في الوطن العربي” :

كان السبق للفلسطينيين بأول جامعة للتعلم عن بعد عربيا وهي جامعة القدس التي تأسست 1986م.

وربما يكمن ذلك للأوضاع الأمنية في البلاد وصعوبة وصول الطلاب بسبب التشديد الامني الإسرائيلي، ثم تبعتها العديد من الدول العربية ومنها البحرين والإمارات ومصر والجزائر والمملكة السعودية.

تاريخ طويل من المحاولات يحتشد خلف تجربة التعلم عن بعد، وربما الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين كان على حقّ، عندما قال: ” أفضل نسبة فوائد ممكنة تأتي من الاستثمار في المعرفة”.

Shaimaa Essaبدأ برسائل بريدية في القرن الـ19.. ماذا تعرف عن تاريخ “التعلم عن بعد”؟

Related Posts