اخر الاخبار

مع عودة المدارس.. شكل جديد للتعليم يتغلب على تداعيات أزمة كورونا

عادت المدارس والجامعات للانتظام حول العالم، والآمال تحدو ملايين الطلاب لمواصلة تعليمهم في بيئة آمنة فعالة، وقد ضجروا حقًا من المكوث في البيت واختلال نظم التعلم عن بعد في أغلب المنظومات التعليمية، وحتى في أكثر بلدان العالم تقدما في آسيا وأوروبا، واعترف المعلمون بأنهم يحتاجون لتدريب مكثف لخوض تحدي شرح دروسهم عن بعد وتقييم الطلاب بفاعلية، لكن مع حلول الموجة الرابعة لكوفيد -19، يبدو أن المحنة في طريقها للتحول إلى منحة تجعل من التحول الرقمي في التعليم حتميا وضروريا وليس رفاهية، وما يعنيه ذلك من منظومة عصرية قائمة على تفاعل الطلاب بشكل كامل وقياس استيعابهم واحترام ميولهم، بعيدا عن الأنماط التقليدية التي عاشها آباؤهم في التعليم.

نشر البنك الدولي قبل عام دراسة هامة حول “مستقبل التعليم في ظل كورونا” وأكدت أن معظم محاولات تغيير نمط التعليم ظلت تبوء بالفشل، لأنها تتطلب مفاهيم جديدة في الإدارة والتدريس وتفاعل الوالدين والأهم أنها تتطلب موازنة جديدة، وإصرار على النجاح، وبالطبع في ظل البيروقراطية والروتين التعليمي لم يكن كل ذلك متاحا؛ فتغيير السلوك دائما صعب ويحمل درجة من المخاطرة، لكننا اليوم نستمع من كل منظومة تعليمية لأفكار جديدة في “الكيف” و”الجودة” بدلا من “الكم” والمرونة بدلا من الأشكال القديمة، وهذا مكسب حقيقي.([1])

مع إغلاق المدارس، انتبه الجميع لأهمية تلك المؤسسة، وأنه من المستحيل التخلي كليًا عن التعلم “وجها لوجه”وإشاعة التعليم بشكل عادل للجميع، وتنمية مهارات الطلاب وذكاءاتهم وقدراتهم التواصلية، وأشياء كثيرة غابت لأن التعلم عن بعد يكشف عن فروق حادة في خلفيات الطلاب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية أيضا؛ فهناك من يجهل بالتكنولوجيا أو لا يملك المال الكافي للوفاء بمتطلباتها..

يقول الخبير التعليمي الدولي لاري فريزو: في الواقع لم يسأل احد الطلاب عما يريدون تعلمه من البيت خلال العزلة التي وضعتهم فيها كورونا، لم يهتم أحد بأنهم قد حرموا من التواصل الشخصي مع معلمهم أو زملائهم، وتبادل الآراء والانفعالات والتفاعل الاجتماعي الطبيعي، لهذا ومع عودة الدراسة لابد من إفساح المجال لصوت الطلاب داخل الفصول، ثم تطبيق ذلك في التعلم عن بعد، عبر نظام يربط هذا بذلك. المعلمون بدورهم هناك تحديات هائلة تواجههم مع بداية العام الجديد، منها إتاحة الفرصة للتعلم واحترام ذكاء الطلاب العاطفي وميولهم وتجنب التهميش والتفرقة وبث الدافعية والمنافسة، وبث روح البحث الحر بعيدا عن المناهج والتلقين، وهي أشياء تمرنوا عليها بشكل أكبر ومازالوا يحتاجون للتدرب عليها في عصر القلق الاجتماعي المصاحب لوباء كورونا وللأحداث العالمية.([2])

ليست المدرسة مجرد فصولا لتلقين الطلاب المناهج، بل هي فرصة لا غنى عنها للتواصل مع الآخرين وإثبات الذات وممارسة الهوايات، لهذا فإن أي استثمار في تعليم المستقبل لابد أن يعتمد على نمط يمزج التعلم التقليدي مع التعلم عن بعد، فيكتسب التواصلية والمرونة معا.

بالنسبة للاسر محدودة الدخل، تمتلك المدرسة أهمية خاصة كمورد لتغذية الطلاب بشكل جيد، وإتاحة بيئة أفضل توفر التكنولوجيا والجوانب التربوية والتواصلية.

يثبت التعلم التكنولوجي يومًا بعد يوم قدرته على تلبية احتياجات الطلاب وقدراتهم المختلفة، وتوفير مسار خاص لكل طالب أكثر ملائمة وشخصية وتفاعلية وكفاءة، وأكثر مرونة من حيث الوقت والمجهود، وهو كذلك بالنسبة للمعلمين أنفسهم، لكن يجب أن نتذكر أن التكنولوجيا وسيلة تحتاج لمن يحسن استغلالها؛ فكثير من البلدان تمتلك التكنولوجيا ولا تمتلك المناهج التربوية العصرية الملائمة لتقديمها عبر الإنترنت.

لهذا تقترح دراسة البنك الدولي أن يتم وضع نظام جديد أكثر ملائمة وصلابة لخوض تحدي التحول الرقمي الذي فرضه وباء الكورونا على جميع الدول، وخاصة أوقات تخفيف أعداد الطلاب في المدارس والجامعات.

وبحسب إحصائية خلال 2009؛ هناك 3 من اصل 54 دولة فقيرة، أو تلك التي تعاني من الصراعات والحروب والانظمة الهشة، هي التي تمتلك معدل تغطية يفوق 50% في الوصول للإنترنت، ولهذا تعتمد تلك البلدان على الراديو والتليفزيون وأجهزة المحمول بشكل أكبر في الوصول إلى الطلاب، ومن تلك الدول “كينيا” على سبيل المثال التي تعاني من أعمال العنف والفوضى، لهذا فإننا لا يمكننا التخلي عن المصادر المادية للتعليم إلى جانب المصادر الرقمية التي لا يمكن التعويل عليها وحدها.ويقترح البنك الدولي أن تقدم المواد عبر وسائط متعددة متاح الوصول إليها جميعا عبر الإنترنت وموجات الراديو والتليفزيون، إلى جانب توفر الكتب مع الطلاب.

لقد ازداد معدل الفقر التعليمي بعد وباء كورونا بحسب احصاءات البنك الدولي بما يقترب من 10 نقاط، في أكثر من نصف البلدان حول العالم، وازداد التسرب من التعليم أيضا في بلدان عدة، وأصبح الاقتصاد العالمي على موعد مع خسارة نحو 10% من عوائده، لهذا تحذر الدراسة من تجاهل الاستثمار في التعليم في هذا الوقت الحرج، فهو الضمانة الحقيقية لاقتصاديات الدول وتطورها وحل المشكلات الإنسانية ونمو الافراد على كل الأصعدة، وهو ضمانة أيضا نحو السلام وليس التقدم فقط.

في المستقبل القريب يجب أن نتجه لتعليم “مبهج”، “تفاعلي”، “ملائم للجميع”، وذا جودة عالية ومعايير عصرية تبني خبرات الطلاب بما يحتاجه سوق العمل ويرفع سقف كفاءتهم الحقيقية. لا مجال لحشو المعلومات المجردة بغير تطبيق، بل هناك حاجة للمضامين الحية المتحركة خاصة في المراحل الابتدائية k-12.

يجب أن نفكر في كيفية تخفيف أثر الاختلاف الحاد بين الطلاب من حيث البيت ومستواه الثقافي والمادي والاجتماعي، وأيضا مستوى الفرد وقدراته، وأن يكون المسار عادلا ومتاحا للجميع، وقابل للتعلم بسهولة والارتقاء في سلمه بحسب قدرات كل طالب.

لقد علمتنا كورونا كيف ندعم التعليم خارج جدران المدارس، وبدون الاستغناء عن الفصل ولا المدرس، وعلمتنا أن تطوير أساليب الإدارات التعليمية للمدارس والجامعات، والمدرسين، لتصبح “احترافية وعصرية”، وإحاطتهم بالخبرات العملية لا يمكن أن تصبح عملية فارغة وشكلية، لأنها تصب في نجاح التعليم من الوهلة الأولى.سنحتاج لبرامج أيضا تؤهل الأسر المهمشة، والمجتمع للتفاعل مع التعلم عن بعد، وعلى مستوى أكبر سيكون هاما لكل الحكومات أن توفر ميزانيات اكبر للاستثمار في الغد أو “التعليم” بمنظومة جديدة صحية للتعلم.

تقول خبيرة التعليم الدولية أميرة كاظم: يجب أن يكون نظام التعليم الجديد أكثر صمودا أمام الظروف الطارئة مثل اوبئة واضطرابات وما يمكن أن يلم بالعالم أو برقعة منه، ويجب أن نثير الحماسة الحقيقية داخل الطلاب والمعلمين والإدارات نحو التغيير، لأن أغلب جوانب التطوير حاليا شكلية إلى حد كبير، صحيح أن هناك دولا مثل مصر وعدد من الدول العربية استطاعت أن تخطو خطوة واسعة نحو الأمام في سبيل التعلم عن بعد، لكن يبقى سؤال المساواة والإتاحة والجودة قائما أيضا؛ فبناء الأنظمة الجيدة ليس الهدف، ولكن المتعلم العصري الجيد، وأن تكون تلك هي القاعدة وليس الاستثناء. يجب أن يصبح هذا النظام أيضا قابلا للقياس في جوانب فاعليته، فلا يمكن قياسه لا يمكن إدارته بكفاءة أو الاستفادة منه.([3])

مصادر:

[1] the Future  of learning: FROM LEARNING POVERTYTO LEARNING FOR EVERYONE, EVERYWHERE

https://thedocs.worldbank.org/en/doc/764111606876730284-0090022020/original/TheFutureOfLearningdic12.pdf

Larry Ferlazzo: 11 Strategies for Facing This Year’s Classroom Challenges[2]

https://www.edweek.org/teaching-learning/opinion-eleven-strategies-for-facing-this-years-classroom-challenges/2021/08

[3]

AMIRA KAZEM: It is Back to School in Egypt: Is it back to learning?

https://blogs.worldbank.org/arabvoices/it-back-school-egypt-it-back-learning

Shaimaa Essaمع عودة المدارس.. شكل جديد للتعليم يتغلب على تداعيات أزمة كورونا

Related Posts